أسواق الطاقة بين هاريس وترمب
<p class=”rteright”>توقف الدعم للطاقة الشمسية والرياح والسيارات الكهربائية سيؤثر في الصين وكوريا الجنوبية واليابان والمكسيك (أ ف ب)</p>
اليوم هو اليوم الأخير في الانتخابات الأميركية وقد نعرف النتيجة في نهاية اليوم وقد لا نعرفها لمدة طويلة.
عدد من المحللين السياسيين يتوقعون ألا يحسم الأمر إلا بعد فترة من الزمن بسبب تقارب النتائج والطعون المقدمة من كل الأطراف بنتائج الانتخابات في بعض المناطق.
وقد لخص مقال سابق أهم الفروقات بين هاريس وترمب، ولكن بعد مرور فترة، ومع كثرة الكلمات أثناء الحملات الانتخابية، واللقاءات التلفزيونية، بدأت الأمور تتضح أكثر من ذي قبل، وبخاصة بعد تراجع كل من هاريس وترمب عما قالوه سابقاً.
بصورة عامة، أكبر الخلافات تتعلق بالتغير المناخي، حيث قام ترمب عندما كان رئيساً بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، كما قام بعكس قرارات باراك أوباما الرئاسية المتعلقة بالبيئة والمناخ، وبخاصة في قطاع الكهرباء، وكل الأدلة الآن تشير إلى أن ترمب سيسحب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، لا سيما بعد التراجعات الأخيرة في أوروبا عن الأهداف المناخية وزيادة استخدام الفحم في كل من الهند والصين.
هناك أمور خلافية ليست خاصة بترمب أو هاريس، وإنما موضع خلاف على مدى أعوام طويلة بين الديمقراطيين والجمهوريين مثل التنقيب عن النفط في محميات آلاسكا وأنبوب نفط كي ستون الذي كان من المقرر أن ينقل النفط من ولاية ألبرتا الكندية إلى الولايات المتحدة، والدراسات البيئية التي يطلبها الديمقراطيون لكل المشاريع بما في ذلك مشاريع الطاقة.
من أكبر إنجازات هاريس قانون تخفيض التضخم الذي يتضمن مئات المليارات من الإعانات والإعفاءات الضريبية لكل ما يتعلق بالتغير المناخي والتغير الطاقي، وبخاصة الطاقة الشمسية والهوائية والسيارات الكهربائية، ويعد هذا القانون من أكبر إنجازاتها لأن نتيجة التصويت على القانون في مجلس الشيوخ كانت 50 مؤيداً في مقابل 50 معارضاً، والقانون الأميركي يقضي أنه في حالة التعادل يقوم نائب الرئيس بالتصويت لكسر التعادل، ومن ثم صوتت كامالا هاريس لمصلحة القانون الذي لم يصوت له أي جمهوري في مجلس الشيوخ، في حال نجاح الجمهوريين في البيوت الثلاثة، فإن أول ما سيقومون به هو التصويت لإلغاء هذا القانون.
إلغاء قانون تخفيض التضخم سيغير أشياء كثيرة، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن في غالبية نواحي العالم، وستكون شركة “تسلا” من أكثر الرابحين، وهذا أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت إيلون ماسك يدعم ترمب بعشرات الملايين من الدولارات.
إلغاء قانون تخفيض التضخم يعني وقف الإعانات الضخمة الموجهة لشركتي “جي إم” و”فورد” لإنتاج السيارات الكهربائية.
“تسلا” لا تحصل على دعم، ومن ثم سيتوقف إنتاج السيارات الكهربائية في هاتين الشركتين، وتبقى “تسلا” في السوق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقف الدعم للطاقة الشمسية والرياح والسيارات الكهربائية سيؤثر في الصين وكوريا الجنوبية واليابان والمكسيك، وهي الدول التي تصدر هذه المنتجات للولايات المتحدة.
كما ستتأثر الدول المنتجة للموارد الأولية المستخدمة في هذه المنتجات وبخاصة الليثيوم والكوبالت والنيكل والمعادن الأرضية النادرة.
إلا أن هناك جزءاً من قانون تخفيض التضخم يتوافق مع توجهات ترمب والحزب الجمهوري، لهذا هناك احتمال الإبقاء على هذه الأجزاء أو إعادة تعليبها بقانون جديد كبير، منها ما يتعلق بالتقاط الكربون واحتجازه، والوقود الحيوي.
كما يتفق الطرفان على خفض الاعتماد على الصين في ما يتعلق بتقنيات الانتقال الطاقي، وبخاصة الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.
تاريخياً، عارض ترمب الإعانات المقدمة للسيارات الكهربائية ووقف ضدها، إلا أن دعم إيلون ماسك له خفف من حدة انتقاده للسيارات الكهربائية، لكن المشكلة واضحة تماماً، ترمب يعارض الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية، كما أن ترمب مشهور بعدائه الشديد لطاقة الرياح، ووقف قانون تخفيض التضخم يعني بالضرورة وقف مشاريع الرياح البحرية.
يتفق ترمب وهاريس على تنشيط قطاع الطاقة النووية، ولكن هذا أيضاً يتفق عليه كلا الحزبين، لهذا فإن الأمر ليس مرتبطاً بالأشخاص.
أنصار الطاقة المتجددة يرون أن ترمب مؤيد لها لأنه سيفرض ضرائب كبيرة على واردات الألواح الشمسية وتروبينات الرياح وما يتعلق بها من الصين.
ولكن الواقع أن فرض هذه الضرائب يحمي شركات أميركية معينة، ولكنه يرفع كلف الطاقة المتجددة بصورة كبيرة، ومن ثم يحد من انتشارها.
ومن الواضح أن هناك اتفاقاً بين الجمهوريين والديمقراطيين على عرقلة جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تنويع أسواق الغاز الروسية، ومنع روسيا من التوسع في مشروع “أركتيك 2” للغاز المسال.
ويمكن القول إن وقف هذا المشروع هو هدف الدولة العميقة في الولايات المتحدة.
أعلنت هاريس على مدى أعوام طويلة أنها تعارض التكسير المائي، وأنها ستمنعه.
التكسير المائي هو أساس إنتاج النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة، وهو الذي مكن الولايات المتحدة من أن تصبح أكبر منتج للنفط والغاز والغاز المسال في العالم، إلا أن هاريس غيرت رأيها أخيراً، وهي ظاهرة يمكن تشبيهها بظاهرة تحول الطالب المشاغب إلى مدرس، من شخص معاد للنظام إلى ضابط للنظام! ترمب مؤيد لصناعة النفط والغاز، ومؤيد للتكسير المائي، ولكن آراءه المتعلقة بأسعار النفط لا تتواءم مع أفكاره المتعلقة بزيادة الإنتاج، فقد عرف عن ترمب محاولاته الدائمة خفض أسعار النفط إلى مستويات لا تشجع الصناعة على الاستثمار. وتاريخ ترمب خلال العقود الأربعة الماضية يوضح أنه يكره صناعة النفط، ربما لأنها أسهمت في إفلاسه أكثر من مرة، ولكنه يدرك الأهمية الإستراتيجية للنفط والغاز، ويدرك أن أسعارهما يجب أن تبقى منخفضة. حقيقة الأمر أن ثورة الصخري الأميركية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الأميركي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية.
لهذا فإن تركيز الولايات المتحدة على تصدير النفط والغاز المسال سيستمر، بغض النظر عمن هو في البيت الأبيض.
فما كان للرئيس ترمب أن يعيد فرض العقوبات على إيران ويفرض عقوبات على فنزويلا في الوقت نفسه عام 2018 من دون ثورة الصخري، وما كان للرئيس بايدن أن يحمي الاتحاد الأوروبي من التفكك في وجه الضغط الروسي بعد الهجوم على أوكرانيا لولا ثورة الصخري التي قدمت النفط والغاز بديلاً من النفط والغاز الروسيين!
خلاصة الأمر أن كلاً من هاريس وترمب وعدا الناخبين بأن يزيدا المعروض من الطاقة، وأن يخفضا أسعارها، والحقيقة أنه لا يمكنهما ذلك على كل الحالات، فقانون تخفيض التضخم بإنفاقه الضخم على برامج التغير الطاقي تضخمي بطيبعته، وترمب لا يستطيع أن يجبر منتجي النفط على زيادة الإنتاج وأسعار النفط منخفضة.
كلاهما يركز على الطاقة النووية، ولكن هذه المشاريع تأخذ وقتاً أطول من فترة الأربعة أعوام الرئاسية، لهذا فإن محور الخلاف الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير في حال فوز الجمهوريين هو قانون تخفيض التضخم.
إلغاء هذا القانون أو أجزاء منه سيغير اتجاهات أسواق الطاقة مرة أخرى وسيزيد من الطلب على النفط والغاز بأكثر من المتوقع.
إضافة تعليق