إلى أي مدى ستصمد “النهضة” أمام رياح الملاحقات في تونس؟
<p class=”rteright”>يقبع زعيم حركة “النهضة” التونسية في أحد السجون حاليا (رويترز)</p>
يواجه الإسلام السياسي في تونس خلال هذه السنوات أصعب فتراته في ظل تحولات سياسية ومجتمعية يمر بها المشهد التونسي، ومن بين هذه التحديات الملاحقات القضائية التي تطاول عدداً من قيادات الصف الأول في حركة النهضة بينهم رئيسها راشد الغنوشي (83 سنة) الذي يقبع منذ عام ونصف العام في السجن.
والسؤال الآن، هل طويت صفحة حركة النهضة في شكلها القديم من المشهد السياسي في تونس؟ وهل سيستمر فكر الإسلام السياسي في البلاد بعد التغيرات الطارئة على الخريطة السياسية والمشهد الانتخابي في البلاد بخاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟
تاريخياً تعود ظاهرة الإسلام السياسي في تونس إلى سبعينيات القرن الماضي عندما جرى تنظيم أول لقاء للحركة الإسلامية في أبريل (نيسان) عام 1972، وسميت حينها “الجماعة الإسلامية”، واقتصر نشاطها في البداية على الجوانب الفكرية والدعوية من خلال إقامة حلقات في المساجد، والدخول في جمعيات المحافظة على القرآن الكريم، ثم في فبراير (شباط) 1989، غيرت الجماعة اسمها إلى “حركة النهضة”.
وراوح عمل الحركة طوال عقود حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، بين العمل السري وما ترتب عنه من ملاحقات أمنية، والنشاط المعلن تحت عناوين مختلفة منها الطلابية والنقابية والثقافية. ومثلت بداية سنة 2011 نقطة تحول في تاريخ الإسلام السياسي في تونس، بعودة رموز حركة النهضة من الخارج، على غرار الغنوشي، ثم إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين عبر عفو تشريعي عام.
وتصدرت حركة النهضة المشهد في تونس بعد 2011، وباتت رقماً صعباً في المعادلة السياسية من خلال سيطرتها على دواليب الدولة ومساهمتها في صياغة دستور ونظام حكم مختلف عما كان سائداً.
عمرت الحركة لـ10 أعوام في الحكم (2011 – 2021)، وفي الـ25 من يوليو (تموز) 2021، تبعثرت أوراقها من جديد ليجري إبعادها من المشهد السياسي، من خلال الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد حينها، وملاحقة رموزها في عدد من القضايا ذات علاقة بالإرهاب وبتبييض الأموال.
فقدان رأسمال الرمزي
أستاذ التاريخ المعاصر مدير وحدة البحوث والدراسات التاريخية في المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية بتونس، عميرة الصغير، يقول في حديثه إلى “ السبعة المنتقمون”، إن “عمر الإسلام السياسي في بلادنا هو نصف قرن تقريباً، وتحول في البدايات من حركة ثقافية إلى سياسية، ومر هذا التنظيم بتجارب عديدة لتحقيق مشروعه الذي لا يختلف عن مشروع الإخوان المسلمين”.
واعتبر الصغير أن “المجتمع التونسي مسلم ومنفتح، وعلى رغم ذلك استطاع فكر الإسلام السياسي أن ينغرس فيه، بخاصة بعد 2011، نتيجة انحرافات نظام زين العابدين بن علي في مجال الحقوق والحريات والتهميش الذي سلط على مناطق وفئات كاملة في تونس، وهو ما أدى إلى أحداث 2011 “.
ورأى أستاذ التاريخ أن “حركة النهضة استثمرت في السردية الدينية، وادعت أنها في خدمة الشعب إلا أن أحوال التونسيين لم تتغير، وتبين فشل تجربة حكمها في تونس، وفهم المواطنون أن غاية هذا التنظيم هو المكوث في الحكم وتحقيق مصالحه الحزبية الضيقة، لذلك فقدت الحركة رأسمالها الرمزي الذي تستخدمه لاستمالة التونسيين ويستقي تعبيراته من المظلومية والنقاوة”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستحضر عميرة الصورة الرمزية لرئيس البرلمان راشد لغنوشي أمام مجلس النواب مساء يوم الـ25 من يوليو 2021، حين دعا أنصاره إلى الهبة لإنقاذ الموقف إلا أنهم لم يستجيبوا، مشدداً على أن هذا التنظيم خسر ثقة التونسيين”. وقال إن “حركة النهضة لن يكون لها وجود سياسي مستقبلاً في تونس، بعدما خسرت وجدان أبناء هذا البلد، كما خسرت الدعم الدولي والعربي”.
استهداف الهوية
وفي المقابل أكد الأستاذ والباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية الأمين البوعزيزي في تصريح خاص، أن “فكرة الإسلام السياسي لا يمكن اجتثاثها من العقل السياسي التونسي، وأن ما تمر به حركة النهضة اليوم من تضييقات سبق وأن عاشتها في السابق، مرجحاً عودتها إلى المشهد في المستقبل بصورة مختلفة من خلال أحزاب جديدة، تستقي مرجعيتها من الفكرة نفسها”.
ويردف البوعزيزي بالقول “إن مقار الحركة مغلقة مركزياً وجهوياً، ولم يبق إلا قرار بحلها، وعلى رغم كل ذلك فإن مصطلح الإسلام السياسي لن يمحى، بل إن ما تمارسه السلطة الراهنة في تونس من تضييق وتعسف على رموز حركة النهضة، سيزيد من تعاطف شق من التونسيين معها”، لافتاً إلى أن “حزب التحرير ذا المرجعية السلفية موجود كفكرة ويتحرك في الشارع من خلال مجموعة من المنتسبين والمناصرين”. وقال إن “هذا الواقع ليس غريباً على حركة النهضة، وهي ليست وحدها مستهدفة، بل إن معظم رموز التيارات السياسية اليوم في السجن”، مشيراً إلى أنه “كلما تمت محاصرة حزب ديني إلا وخرج باسم مختلف”. واستحضر أن حزب “العمل والإنجاز” للقيادي السابق في حركة النهضة عبداللطيف المكي هو تعبير من تعبيرات الإسلام السياسي، مضيفاً أن “حركة النهضة سبق وأن غيرت اسمها تماشياً مع السياق السياسي”.
وأضاف البوعزيزي أن “حركة النهضة تعودت على مثل هذه الأزمات، وكلما اشتدت محنتها إلا وتكاتفت قياداتها، معتبراً أن الوزن السياسي لأي حزب لا معنى له في ظل الاستبداد”، مشدداً على أنه طالما الهوية العربية الإسلامية مستهدفة فإن الإسلام السياسي لن يزول من المجتمع لأنه ملاذ المظلومين والمضطهدين”، على حد تعبيره.
فرصة المراجعات
في الوقت نفسه رأى عدد من المتابعين أن حركة النهضة فوتت فرصة المراجعات الضرورية من أجل إعادة التموقع في المشهد السياسي، والتخلص من رموز الفشل من قياداتها.
وقال النائب السابق في البرلمان الكاتب الصحافي هشام الحاجي إن “الحركة فوتت على نفسها فرصة القيام بمراجعات عند اشتداد الأزمة في البرلمان، وفشل رئيس الحركة ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، في إدارة الأزمة داخله وتصلب موقفه إزاء تصعيد قيادات جديدة شابة وتنظيم مؤتمر الحركة”.
كانت المحكمة الابتدائية في تونس أصدرت الجمعة الماضي حكماً بالسجن 10 سنوات في حق وزير العدل السابق ونائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري، على خلفية تهم تتعلق بالاعتداء على أمن الدولة، وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً.
واستنكرت الحركة هذا الحكم واعتبرته جائراً، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والناشطين الحقوقيين والمعارضين الموقوفين بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية.
إضافة تعليق