الهيدروجين الأخضر وسيلة الجزائر لتسوية النزاعات مع أوروبا
<p class=”rteright”>أصبح الهيدروجين الأخضر مستقبل الطاقة النظيفة في العالم (أ ف ب)</p>
تولي الجزائر اهتماماً كبيراً بالطاقة النظيفة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، ولعل الاستثمارات التي تتدفق على هذا المجال وكثرة الاتفاقات الموقعة مع شركاء عدة، لا سيما في أوروبا دليل على تغيّر الاتجاهات الطاقوية في البلاد، غير أن انجذاب دول القارة العجوز نحو هذا النوع من الطاقة بات يطرح استفهامات، فهل تستخدم الجزائر الهيدروجين الأخضر كقوة ناعمة لتسوية علاقتها مع بعض الأطراف الأوروبية وتمرير أجندتها السياسية مع البعض الأخر؟.
تقارب مع إسبانيا بعد توتر
وفتح إطلاق شركة “سوناطراك” البترولية الحكومية الجزائرية مشروعاً مع مؤسسة “سيبسا” الإسبانية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في الجزائر، أبواب التأويلات على مصراعيها التي أجمعت على أن الخطوة تكشف عن اتجاه نحو تجاوز خلافات سياسية حادة بين البلدين نشأت في 2022 بسبب إعلان مدريد دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء الغربية عكس توجهات الأمم المتحدة.
ولا يعتبر المشروع سهلاً بالنظر إلى ما جاء في وثيقة وزارة الطاقة في الجزائر، مما يرشحه لوضع حد للقطيعة التجارية المستمرة بين البلدين منذ عامين، إذ تحدث الاتفاق عن إنجاز محطة للتحليل الكهربائي الهيدروجيني بقدرة من 50 إلى 200 ميغاواط لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنجاز محطات توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية لتزويد المحللات الكهربائية بالطاقة المتجددة، وإنجاز محطة إنتاج الميثانول الأخضر و/أو الأمونيا الخضراء، مع إنجاز مرافق تخزين ونقل الميثانول و/أو الأمونيا، وغيرها من المرافق الإضافية اللازمة للتشغيل التجاري للمشروع، بما في ذلك المرافق على مستوى الميناء، وكذلك تحديد أفضل موقع لتشييد المشروع وتنفيذه وتشغيله تجارياً، وأن المشروع سيتيح تصدير الهيدروجين إلى إسبانيا عبر البنية التحتية القائمة أو بواسطة مشروع جديد.
الشراكة مع الاتحاد الأوروبي على المحك
إلى ذلك، لا يزال اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يثير خلافات ومشكلات تارة خفية وأخرى تطفو على السطح محدثة “غباراً” من معركة تصريحات تهيج ثم تهدأ، بسبب تمسك الجزائر بضرورة مراجعته لأنها تعتبر بنوده جاءت في ظروف داخلية “قاسية” جعلها الخاسر الأكبر من الاتفاق، بينما يصر الاتحاد الأوروبي على التزام ما تم توقيعه عام 2002، ويهدد باللجوء إلى التحكيم الدولي بسبب الشروط التي تعترض دخول سلعه إلى الجزائر.
وأمام هذا الوضع المتأزم بين الطرفين، لا سيما على مستوى الحركة التجارية المتعلقة بالاستيراد والتصدير، وكذلك الجانب الإنساني المرتبط بالهجرة وتنقل الأشخاص، يبحث الأوروبيون والجزائريون على السواء تعزيز تعاونهما في مجال الطاقة بتوسيعه من البترول والغاز إلى الطاقات المتجددة والنظيفة وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر، إذ يسعى كل جانب إلى تحقيق تفوق يجعله يفرض منطقه ويدفع الآخر إلى التراجع عن مواقفه من اتفاق الشراكة، بخاصة أن الحرب الروسية – الأوكرانية منحت الجزائر صفة الشريك الموثوق في ما يتعلق بالطاقة.
وعلى رغم محافظته على مركزه كأكبر شريك للجزائر بـ50.6 في المئة من المعاملات التجارية عام 2023، إلا أن صادرات الاتحاد الأوروبي نزلت من 22.3 مليار يورو (نحو 24.24 مليار دولار) عام 2015 إلى 14.9 مليار يورو (نحو 16.2 مليار دولار) في 2023، مما شكل انتكاسة لبعض الدول التي كانت “تغرق” الجزائر بسلعها، إذ إنها خسرت هذه السوق إما للمنتجين المحليين الجزائريين وإما لدول منافسة في مقدمتها تركيا والصين.
تعاون بصورة منفردة
وفي خضم هذه التجاذبات والمعارك الخفية، تسارع الجزائر إلى فتح قنوات تعاون مع دول الاتحاد الأوروبي منفردة في مجال الطاقات المتجددة، إذ أوضح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف خلال تنقله إلى فيينا النمسوية، أن “الطاقات المتجددة والفلاحة والنقل عبر السكك الحديد والصناعة والموارد المائية والصيدلة ومجالات عدة، أطلقت فيها بلادي أخيراً مشاريع مهيكلة يمكن تطويرها مع شركاء نمسويين”، وأضاف أن “الجزائر تولي أهمية بالغة لمشروع ’ساوث-2 كوريدور‘ الذي سيربط شمال أفريقيا بقلب أوروبا بغية تقليص اعتماد المنطقتين على الطاقات غير المتجددة”.
ووقع وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، ونائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابيك في فبراير (شباط) الماضي على اتفاق تطوير الهيدروجين ومشروع “الممر الجنوبي” للهيدروجين الذي سيقام مشروعه التجريبي التحضيري في ولاية وهران غرب الجزائر، وتسهم فيه الحكومة الألمانية بـ20 مليون يورو (21.74 مليون دولار)، ويتمثل المشروع في إنجاز أنبوب لنقل الهيدروجين عبر البحر الأبيض المتوسط، يشمل دول ألمانيا والنمسا وإيطاليا وتونس، انطلاقاً من الجزائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واشنطن تدخل على الخط
وشدد الوزير عرقاب على أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة أساسية ومهمة لتطوير فاعل لقطاع الهيدروجين النظيف في الجزائر، بالنظر إلى أن بلاده ستركز بدءاً من عام 2030 على إنجاز مشاريع على نطاق صناعي بطاقة إجمالية تفوق المليون طن في السنة.
وتحرص الجزائر على تعزيز دورها كمصدر رئيس للطاقة النظيفة، من خلال هذا المشروع الذي من شأنه دعم جهودها لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد على مصادر الطاقة المستدامة وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول، وفي ذلك تعوّل على قدرتها على إنتاج هذا النوع من الطاقة بكلفة منخفضة تراوح ما بين 1.2 و2 دولار للكيلوغرام، مقارنة بالكلف المرتفعة في أوروبا التي تصل إلى 5 أو 6 دولارات للكيلوغرام، بينما يتزايد اهتمام أوروبا لاستخداماتها الكثيرة والواسعة مثل توليد الكهرباء وكوقود للسيارات وعدد من التطبيقات الأخرى، مما يجعلها خياراً واعداً لمستقبل الطاقة المستدامة في العالم.
في المقابل، تزاحم الولايات المتحدة الأميركية الأوروبيين على هيدروجين الجزائر الأخضر، إذ من المرتقب الإعلان قريباً عن مشروع إنتاج الهيدروجين مع شركات أميركية، بعد اتفاق مبدئي بين وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب وسبع شركات أميركية زارت الجزائر في الـ23 من يناير (كانون الثاني) الماضي.
فرصة كبيرة
وحول قدرة الجزائر على تحقيق مبتغاها في قيادة قائمة مصدري الهيدروجين الأخضر ومنه تسوية نزاعاتها مع الأوروبيين وكسب تأييدهم لمواقفها من مختلف الملفات، أكد الناشط السياسي فارس علام في تصريح إلى “ السبعة المنتقمون” أن الجزائر ومنذ الحرب الروسية – الأوكرانية باتت أمام فرصة كبيرة لاحتلال مراكز متقدمة ضمن قائمة الدول الرائدة في مجالات الطاقة. وفي حين يعتبر البترول والغاز من المواد الطاقوية التي اعتمدت عليها في دفع عجلة التنمية، تبقى الطاقة النظيفة تحدياً يمكن أن تحقق من ورائها فوائد وأرباحاً عدة، ويشير إلى أن ما يحدث مع الهيدروجين الأخضر من توقيع اتفاقات تعاون واستثمارات مع الشركاء الأوروبيين، دليل على ثقة دول الاتحاد الأوروبي بضمان تزودهم من طاقة الجزائر، وشدد على أن الهيدروجين الأخضر أصبح مستقبل الطاقة النظيفة في العالم والجزائر مركزه.
ويتابع علام أن الجزائر بإمكانها أن تحصل على نسبة من السوق الأوروبية لا تقل عن 15 في المئة في ما يتعلق بإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، بخاصة بعد نجاحها في ضمان تزويد أوروبا بالغاز منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، فأصبحت الجزائر لاعباً عالمياً مهماً في إنتاج طاقة صديقة للبيئة، ومنه في الاستدامة الطاقوية. وأضاف أن لجوء الجزائر إلى جلب استثمارات ضخمة في مجال الطاقة النظيفة، تحديداً الهيدروجين الأخضر الذي أصبح الشغل الشاغل للأوروبيين، يسمح بتجاوز خلافات ثنائية كانت تعوق أي تقدم في العلاقات، كما قد يفسح المجال أمام الشريك الأوروبي لمناقشة وفهم مواقف الجزائر من ملفات وقضايا محط خلاف.
تأكيد رسمي على تزويد أوروبا
إلى ذلك، أكد المدير العام لمجمع الطاقات الخضراء بوخالفة يايسي اليوم الأحد أن الجزائر تمتلك إمكانات هائلة للتميز في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكذلك شبكة نقل واسعة للكهرباء والغاز، وأشار إلى أن الاتفاقات التي تم توقيعها في الفترة الأخيرة بين مجمع “سوناطراك” وشركات أوروبية من شأنها أن تفتح باب الاستثمار واسعاً في ميدان إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وأضاف يايسي أن الاتفاقات تشجع على الاستثمار في مجالات كثيرة، لا سيما استخراج الهيدروجين انطلاقاً من الماء، إضافة إلى مجال صناعة الأسمدة النظيفة واستغلال الخبرات الوطنية، موضحاً أن تطوير مجال الهيدروجين الأخضر في الجزائر وكذلك تصديره، يستدعي التعاون المستمر بين الخبراء والمتخصصين الجزائريين والأجانب، لتبادل الخبرات والاستفادة من التكنولوجيات الحديثة في هذا الميدان. وتابع أن بلاده تسير بخطى ثابتة نحو الانتقال الطاقوي، مع التركيز على إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر والكهرباء الخضراء نحو أوروبا، وأن الجزائر ستواصل تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي، ولكن مع خطة تدريجية لتوفير الهيدروجين الأخضر، إذ تعمل حالياً على دمج الهيدروجين الأخضر في شبكات الغاز القائمة، بخاصة في إطار شراكة مع إيطاليا وأوروبا.
ترقب أوروبي
وتتجه أنظار دول الاتحاد الأوروبي إلى إنتاج الهيدروجين الجزائري، بصفته حلاً مهماً من شأنه تحقيق أمنها الطاقوي، يأتي من شمال أفريقيا القريبة من القارة العجوز، وأيضاً يعوض إمدادات الطاقة الغائبة وبصورة نظيفة، إضافة إلى امتلاك الجزائر إمكانات تجعلها قادرة على إنتاج الهيدروجين بكلفة ليست صعبة المنال، مثل طاقتي الشمس والرياح، وهما المصدران المهمان لإنتاج هذه المادة من دون اللجوء إلى مصادر ملوثة للبيئة ومؤثّرة سلباً في المناخ.
وكان أول مشاريع الهيدروجين في الجزائر في مارس (آذار) من عام 2021، تم بين شركتي “سوناطراك” الجزائرية و”إيني” الإيطالية، وبدأت خطواته التنفيذية تجريبياً للإنتاج في يوليو (تموز) من العام نفسه. وقبل شهرين فقط من هذا الاتفاق، وقعت الشركة الجزائرية خمس مذكرات تفاهم مع إيطاليا، شملت إنشاء خط أنابيب لنقل الهيدروجين من جانب الجزائر إلى إيطاليا، وأخرى تتعلق باستيراد الكهرباء من شمال أفريقيا.
إضافة تعليق