بلستيا صحافية فلسطينية فرت من غزة إلى لبنان فلحقت بها الحرب
<p>الصحافية الفلسطينية الشابة بلستيا العقاد تسير في شارع الحمرا التجاري في بيروت، لبنان، الثلاثاء 3 سبتمبر، 2024 (أ ب)</p>
كانت بلستيا العقاد قد عثرت على بداية جديدة. الشهر الماضي، انتقلت الصحافية الفلسطينية الشابة التي خاطرت بحياتها في سبيل توثيق أهوال الحرب في غزة للملايين من متابعيها المنتشرين حول العالم إلى لبنان من أجل متابعة دراستها في الجامعة الأميركية العريقة في بيروت.
وتقول العقاد إنها شعرت لبعض الوقت بأن لبنان منزلها الثاني. ولم تمر سوى أسابيع معدودة على بداية حضورها المحاضرات الجامعية وسيرها في الحرم الجامعي الواقع غربي بيروت قبل أن تعثر عليها الحرب مرة أخرى.
وتقول لـ”اندبندنت” عبر اتصال هاتفي، “يحطمك شعورك بأن حروب إسرائيل تلاحقك. ويؤلمني أن أرى ملايين الأشخاص وقد توقفت حياتهم”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أطلقت إسرائيل حربها على لبنان الشهر الماضي بعد عام شهد تصاعداً في وتيرة أعمال العنف مع “حزب الله”. وتعرضت معظم مناطق جنوب لبنان وعاصمته بيروت إلى قصف عنيف شنته إسرائيل عند إطلاقها هجوماً جديداً على جارتها في الشمال. وقد قتل مئات المدنيين وهجر أكثر من مليون آخرين من بيوتهم.
أعاد هذا الوضع إحياء ذكريات مؤلمة بالنسبة إلى العقاد ذات 22 ربيعاً.
وتقول، “عندما رأيت أشخاصاً نازحين في الشوارع والمدارس في لبنان، تذكرت كل ما عاشه الشعب الفلسطيني. هذا يكسر الخاطر والقلب لأنني أعرف كيف يكون هذا الوضع”.
بعد انتقال الجامعة إلى التعليم من بعد وفي ظل انهمار القذائف على العاصمة، اضطرت العقاد إلى الفرار من منزلها الجديد وقلب حياتها للمرة الثالثة رأساً على عقب.
وتقول، “لم أعلم إلى أين ستتجه الأمور. هل تتوسع رقعة الحرب أم تنتهي، وهل يتعرض المطار للقصف فأعلق هناك؟ لذلك قررت أنه من الأفضل لي المغادرة”.
وهي تعيش الآن في مصر وتدرس من بعد. وتبدأ مرة أخرى، من جديد.
وتقول، “بعد كل ما حصل، لا أؤمن بالتخطيط بعد الآن”.
أنهت العقاد دراستها الجامعية قبل عام واحد من بدء الحرب على غزة. كانت تخصصت في الصحافة وأرادت أن تمتهنها. وأخذت الشابة التي تتمتع بمهارة فطرية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صور لحياتها اليومية داخل القطاع المحاصر: فهنا يوم على شاطئ البحر وهناك لقاء مع الأصدقاء أو عرض ثياب فلسطينية تقليدية.
وعندما بدأت الحرب، حولت تركيزها فوراً إلى توثيق الدمار الذي خلفته الغارات الصهيونية العنيفة في كل أنحاء غزة. في أحد فيديوهاتها، تخبر المتابعين عن الدخان الذي يتسرب من شباكها بسبب القصف القريب منها، عندما فجأة تهز شقتها ثلاثة انفجارات ضخمة.
وتقول قبل أن تختم الفيديو، “سوف أذهب للاطمئنان على والدي”.
منعت وسائل الإعلام العالمية من دخول غزة منذ الأيام الأولى للحرب، لذلك شكل الصحافيون الفلسطينيون في غزة السبيل الوحيد لكي يرى العالم ما يحدث هناك.
وجمعت العقاد جمهوراً ضخماً إذ تخطى عدد متابعيها على “إنستغرام” 4 ملايين شخص. وركزت في تغطيتها على معاناة المدنيين الذين فروا مراراً من القصف ومن توغل الجيش الصهيوني. وقدمت فيديوهاتها صورة تضخ بالتفاصيل عن الحرب التي تقلب حياة الأفراد والعائلات كل يوم.
وبفضل عملها، لقيت استحساناً ومديحاً من الجمهور لكن فيما تدخل الحرب سنتها الثانية، فقدت الأمل في أن تحدث الصحافة أي تغيير حقيقي.
وتسأل، “يظل الناس يخبرونني إلى أي مدى غير عملي من نظرة الآخرين إلى الفلسطينيين، وإلى أي مدى لعب دوراً مهماً، لكنني أرى أنني لو فعلت كل ذلك، وإن كان عملي بتلك الجودة، فلمَ لم تنتهِ الإبادة الجماعية؟”.
وتضيف، “لهذا تشعر بأن كل ما فعلته هباء”.
منذ مغادرتها غزة، واصلت العقاد الحديث عن الدمار الذي أحدثته حرب إسرائيل التي حصدت حياة 41 ألف فلسطيني بحسب التقديرات. لكنها وجدت صعوبة في التكيف مع واقعها الجديد.
وتقول، “لن تعود الحياة إلى الوضع الطبيعي أبداً. لن أرى الحياة كما كنت أراها أبداً، وهذا يفطر قلبي”.
وتضيف، “من المحزن أن نحو مليوني شخص يتعرضون للقصف منذ أكثر من عام ومن الصعب أن تكون بعيداً من كل ما يحدث. هذا ليس فيلماً أشاهده على الإنترنت، بل هؤلاء أشخاص أعرفهم”.
لقد قتل 130 صحافياً في الأقل بغزة على مدار العام الماضي، ومن بينهم عدد كبير من زملائها السابقين. وهي تتفقد أصدقاءها الصحافيين الذين لا يزالون هناك بانتظام. قبل يوم واحد من حوارها مع “اندبندنت”، كانت تتحدث إلى صديق نفد من الموت بأعجوبة. فقد غادر منطقة الخيام خارج مستشفى قبل خمس دقائق من قيام إسرائيل بقصفها. وظهر في الفيديو المصور للهجوم رجلاً يحترق حياً فيما كان المصل لا يزال معلقاً بيده.
وتقول، “عندما أتكلم معهم، يبدو لي أنهم ينتظرون لحظة مقتلهم. وهم يعلمون بأنها قادمة. لكنهم لا يعلمون متى”.
واتجهت العقاد إلى بيروت لكي تتابع دراسات الماجستير في الإعلام بعد حصولها على منحة أطلق عليها اسم الصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة التي قتلها الجيش الصهيوني في الضفة الغربية أثناء تغطيتها لتظاهرة لمصلحة قناة “الجزيرة” عام 2022. العام الماضي، مرت العقاد بتجارب مباشرة كثيرة يمكن أن توظفها في دراساتها وهي تعتقد أن الإعلام قد فشل في بعض مهامه الأساسية في تغطية أحداث غزة.
وتوضح، “حتى الآن، لا تسم وسائل الإعلام الأمور بأسمائها. لا تزال تسمي الأحداث صراعاً بين إسرائيل و’حماس’. لو كان صراعاً بين إسرائيل و’حماس’، فلم يقتل آلاف الأطفال؟”.
وتكمل، “بعض العائلات لم يعد لها أي أثر. قامت إسرائيل بقصف مبان ومنازل ومعظم الكنائس، وجوعت الناس. فكيف يكون هذا صراعاً؟”.
وتعمل العقاد في الوقت الحالي على إعداد كتاب حول تلك الأسابيع الأولى من الحرب على غزة، استناداً إلى يومياتها التي كانت تكتبها في غزة.
وقد قامت بالإعلان الشهر الماضي عن مشروع الكتاب على “إنستغرام”. وكتبت “إن الحياة غريبة. اليوم تشتعل سماء لبنان فوق رأسي. واليوم هو يوم إعلاني عن كتابي ’عيون على غزة’ Eyes of Gaza، الذي بدأت بتدوينه في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أو الأسبوع الأول، كما كنت أصفه عندها”.
لكن استرجاع أشهر الحرب تلك وعيشها مجدداً أثناء كتابتها كان تجربة شاقة.
وتقول، “إن استرجاع ذكريات كل ما عشته أمر صعب على الصعيد العاطفي، لكنني متشوقة لمشاركة الكتاب مع العالم. وأعتقد أنه سيقدم نظرة قيمة عن التجربة الفلسطينية”.
واشتهر اسم العقاد بسبب تغطيتها للحرب ومعاناة الفلسطينيين لكنها لا تزال تؤمن بأن عملها السابق، في تصوير فيديوهات عن الحياة اليومية العادية في غزة، لا يقل أهمية عن تلك التغطية.
وتقول، “أحد الأمور التي أفكر فيها دائماً هو كيف يمكننا أن نبقي غزة حية. لو فتشت عن غزة على الإنترنت، لن تجد سوى صورنا بعد القصف. ولن ترى صور الأماكن والأشخاص وكل ما ذلك. ولهذا السبب من المهم بالنسبة إليّ أن أبين للناس غزة كما كانت قبلاً، وهي غزة التي أعرفها”.
وتضيف، “أريد أن يعرف العالم أسماءنا وقصصنا وألا يرانا أرقاماً”.
إضافة تعليق