تشابكات قضايا الشرق الأوسط ما بعد نهاية نظام الأسد
<p class=”rteright”>مبنى متهالك في درعا يرسم ملامح نظام بشار الأسد بعد سقوطه (أ ف ب)</p>
كتبت هذه المقالة عبر “تشات جي بي تي” وأجريت عليها تعديلات لغوية بما يناسب أسلوب “ السبعة المنتقمون”
تحتفظ منطقة الشرق الأوسط بسمعة مبنية على أنها مسرح لأحداث سياسية وأمنية متسارعة تتشابك فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية، مما يجعل فهم مسار الأحداث عملية معقدة ومترابطة. ولعل الأحداث الأخيرة في سوريا، بما في ذلك نهاية نظام بشار الأسد بعد صمود طويل أمام ضغوط داخلية وخارجية، تشكل منعطفاً جديداً يعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي ويثير تساؤلات حول إمكانية عودة الحركات الإسلامية أو المتطرفة. لفهم هذا المشهد، لا يمكن النظر إلى ما حدث في سوريا بمعزل عن أحداث أخرى مفصلية، مثل الحرب في لبنان والصراع المستمر في غزة، إذ تشكل هذه التطورات معاً لوحة متداخلة تحدد ملامح المستقبل في المنطقة.
انتهت الحرب السورية عملياً مع تفكك نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران وفقدانه معظم الأراضي لمصلحة المعارضة المسلحة. ومع سقوط مناطق النظام وانحسار سيطرة التنظيمات المتطرفة مثل “داعش”، برزت تساؤلات حول طبيعة المرحلة المقبلة. وعلى رغم ما يبدو أنه استقرار نسبي، فإن الجروح العميقة التي تركتها الحرب، من دمار واسع النطاق إلى نزوح الملايين وانهيار الاقتصاد، تشكل بيئة خصبة لاستمرار التوترات. هذه الأوضاع تفتح المجال أمام عودة حركات إسلامية، سواء على شكل تطرف مسلح أو تيارات سياسية تستثمر في حالة السخط الشعبي. فالنهاية العسكرية للصراع لا تعني بالضرورة حلاً سياسياً أو اجتماعياً، بل يمكن أن تكون مقدمة لتحولات غير متوقعة.
وفي السياق الإقليمي يجب أن نفهم أن سوريا لم تكن مجرد صراع داخلي، بل كانت ميداناً لتصفية حسابات إقليمية ودولية. هنا يبرز دور حلفاء النظام، إيران و”حزب الله”، في دعم بشار الأسد وتثبيت سلطته. هذا الدعم كان جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المشرق العربي، مما انعكس بصورة مباشرة على الوضع في لبنان. الحرب في سوريا وحالة الاستقطاب الطائفي الناتجة منها عمقت الانقسامات في لبنان، إذ يعاني البلد أزمة سياسية واقتصادية خانقة تجعل منه بيئة محتملة لعودة التطرف. فـ”حزب الله”، الذي يمثل القوة المسلحة الأقوى في هذا البلد، يواجه تحديات داخلية متزايدة وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مما قد يعيد الحسابات السياسية والأمنية في المنطقة برمتها.
أما بالنسبة لغزة، فإن الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة، لا سيما حركة “حماس”، ظل عنصراً دائماً في رسم مسار التوترات الإقليمية. ارتباط غزة بالوضع السوري يمكن رؤيته من خلال تأثير ما جرى في سوريا على التحالفات الإقليمية. فـ”حماس”، التي كانت جزءاً من محور المقاومة بقيادة إيران وسوريا، وجدت نفسها في موقف صعب خلال الحرب السورية بعدما وقفت إلى جانب المعارضة. هذا الموقف أدى إلى إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية، لكن مع نهاية نظام الأسد وعودة الدفء إلى العلاقات مع طهران، قد يكون هناك تنسيق أكبر في المستقبل بين مختلف الفصائل الإسلامية في المنطقة، مما قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهة أخرى فإن الأحداث في غزة والحروب المتكررة مع إسرائيل تمثل عاملاً مهماً في تعزيز صورة الحركات الإسلامية المسلحة باعتبارها “مدافعة عن القضايا العادلة”، مما يزيد من شعبيتها في أوساط معينة، لكن هذا الدور لا يخلو من تناقضات، إذ يضعها أيضاً في مواجهة مباشرة مع الأنظمة التي تحاول احتواء الإسلاميين أو التنافس معهم على شرعية تمثيل القضية الفلسطينية.
عودةً إلى المشهد السوري، فإن النهاية الفعلية لنظام الأسد لم تكن نتيجة انتصار عسكري شامل لقوى المعارضة، بل بسبب تسويات سياسية ودعم خارجي مكثف للنظام. هذا الواقع يعيد طرح تساؤلات حول قدرة المنطقة على معالجة الصراعات بصورة مستدامة. من جهة أخرى فإن الهشاشة التي خلفتها الحرب الطويلة، وغياب آليات واضحة للمصالحة الوطنية أو إعادة الإعمار، يتركان الباب مفتوحاً أمام عودة صور مختلفة من الحركات المتطرفة. وبالنظر إلى أن تنظيم “داعش” تمكن من الانتعاش مجدداً في ظروف مشابهة، بخاصة في ظل غياب الدولة في المناطق النائية، فإن خطر تكرار السيناريو لا يزال قائماً.
إن ما يجعل هذا المشهد أكثر تعقيداً هو أن الصراعات في الشرق الأوسط ليست معزولة عن بعضها بعضاً. الحرب في سوريا والحروب في غزة أو لبنان كلها تتداخل بصورة أو بأخرى ضمن شبكة من المصالح والنفوذ. ولعل ما يجعل الحركات الإسلامية، سواء المعتدلة أو المتطرفة، قادرة على الصمود أو العودة هو قدرتها على التكيف مع هذه البيئة المضطربة. ففي وقت تحاول فيه الأنظمة تأكيد سيطرتها تبقى الأسباب التي تغذي التطرف موجودة من غياب العدالة الاجتماعية والتهميش السياسي والفقر والاحتلالات الأجنبية، لذلك فإن مستقبل المنطقة يعتمد بصورة أساس على مدى قدرة الفاعلين الإقليميين والدوليين على تبني حلول شاملة تعالج جذور الأزمات. فالتعامل مع الظواهر السطحية مثل التنظيمات المسلحة من دون معالجة الأسباب التي تدفع الشباب للانضمام إليها لن يؤدي إلا إلى إنتاج مزيد من دورات العنف. كما أن الصراعات الجانبية بين الدول الكبرى، وغياب رؤية موحدة حول مستقبل سوريا ولبنان وفلسطين، يبقي المنطقة في حالة من الفوضى المستدامة.
باختصار، الأحداث في سوريا ولبنان وغزة ليست مجرد محطات منفصلة، بل تشكل خيوطاً متشابكة في نسيج معقد يحدد مستقبل الشرق الأوسط. عودة الحركات الإسلامية أو المتطرفة ليست مستبعدة ما دامت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة مستمرة. الحل يتطلب نهجاً إقليمياً ودولياً شاملاً يعيد بناء المجتمعات ويرسخ أسس العدالة والسلام، لكن في ظل غياب هذا النهج، ستظل المنطقة في حالة انتظار لتغيرات جديدة، قد تحمل في طياتها فصولاً أخرى من الاضطرابات.
إضافة تعليق