سرقات أسلحة “نوعية” في قواعد إسرائيلية تكشف عن خلل في نظام الحراسة
<p>تقدر مصادر إسرائيلية وصول قيمة المسروقات من الأسلحة سنوياً إلى 15 مليون دولار أميركي (رويترز)</p>
على رغم عشرات ملايين الدولارات التي يضخها الجيش الصهيوني للحراسة والتحصين والمراقبة الإلكترونية لمخازن الأسلحة والذخيرة، تتكرر حوادث التسلل إلى القواعد العسكرية وسرقة السلاح والذخيرة والعتاد العسكري من مخازن ومستودعات الجيش. وفي حادثة خطرة، تعرّضت قاعدة “بسلاخ” العسكرية والمعدة لتأهيل الجنود عند الحدود مع قطاع غزة لعملية سرقة ونهب ذخيرة وأسلحة “غير مسبوقة” بعد أن تمكن عدد من الأشخاص نهاية الأسبوع الماضي من اقتحام القاعدة العسكرية والوصول إلى 18 حاوية مليئة بمعدات للرؤية الليلية وأسلحة ومعدات للتدريب على إطلاق النار ووسائل قتالية خطرة، ونهبوا محتوياتها بالكامل ثم لاذوا بالفرار. وتكمن الكارثة الحقيقية لدى المنظومة الأمنية الصهيونية في سرقة الذخيرة والوسائل القتالية من المخازن والمخابئ هذه المرة، ليس أنها تمت خلال المناورات والتدريبات بالذخيرة الحية في أوج الحرب على قطاع غزة، بل في خطورة تسريب عشرات آلاف الذخيرة التي سرقت للتنظيمات الفلسطينية المسلحة بالضفة الغربية، وقد اعتقلت الشرطة الصهيونية قبل فترة وجيزة فلسطينياً من سكان القدس الشرقية وفي حوزته صاروخ مضاد للدروع من طراز “ماتادور” الذي يستخدمه الجيش بكثافة في قطاع غزة.
وفقاً لهيئة البث العامة الصهيونية “كان”، تكررت سرقات الذخيرة والأسلحة من قواعد الجيش الصهيوني خلال الحرب في غزة، من بينها قذائف وقنابل وأنظمة دفاع حساسة، بما في ذلك عدد من الصواريخ من طراز “لاو” وقذائف الهاون وأنظمة الدفاع المتقدمة للذراع البرية في الجيش. وبحسب ما نشرته القيادة الجنوبية التابعة للجيش، سرق منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى مايو (أيار) الماضي، 33.740 قذيفة من نوع “ماغ” و14.650 مقذوفة من نوع “5.56” و315 آلية ألغام إضافة الى 79 قذيفة هاون وثلاثة صواريخ من طراز “لاو” وتسع قذائف عيار 120 مليميتر واثنان من الأنظمة الدفاعية المتطورة للذراع البرية.
ظاهرة خطرة
يرى مسؤولون عسكريون في إسرائيل أن عمليات سرقة الأسلحة من مخازن الجيش الصهيوني ازدادت بصورة مقلقة للغاية خلال الأعوام الأخيرة، لدرجة أنها أصبحت تشكّل مصدراً رئيساً لتسليح الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، بخاصة في نابلس وجنين وطولكرم، بعد بيعها لها عبر عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل. وتجزم الأجهزة الأمنية الصهيونية أن اقتحام قواعد عسكرية محصنة وسرقة أسلحة وذخائر منها، تتم بمساعدة وتنسيق مع بعض الجنود الذين تورطوا بتقديم المساعدة والمعلومات الاستخباراتية لأفراد العصابات، عن مكان وكميات الأسلحة داخل القواعد العسكرية، مقابل الحصول على مبالغ مالية طائلة تقدر بعشرات آلاف الدولارات. وبحسب تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية نهاية العام الماضي، لا يوجد أي تعامل جدّي من جانب السلطات الصهيونية مع هذه السرقات ومنعها، “على رغم انتشار كميات أسلحة هائلة بأيدي الفصائل الفلسطينية، وتستخدم بالأساس ضد قوات الجيش الصهيوني”. وقال تقرير لمراقب الدولة في إسرائيل متانياهو إنغلمان إن حوادث إطلاق النار في الضفة الغربية ارتفعت بنسبة 330 في المئة في الفترة بين يناير (كانون الثاني) 2022 ويونيو (حزيران) 2023 مقارنة بالفترة نفسها بين عامي 2019 و2021. في حين رصد مركز المعلومات الفلسطيني “معطى” تنفيذ فلسطينيين منذ مطلع العام الحالي 843 عملية إطلاق نار على إسرائيليين، و517 عملية زرع عبوات ناسفة وتفجيرها أثناء اقتحامات الجيش الصهيوني مدناً وقرى في الضفة الغربية.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن خبراء أسلحة ومسؤولي استخبارات أن عدداً من الأسلحة التي استخدمتها حركة “حماس” الفلسطينية في هجوم السابع من أكتوبر وفي الحرب الحالية في قطاع غزة، جاءت من الجيش الصهيوني نفسه، إذ أشار محللون إلى استخدام “حماس” التي تصنفها واشنطن منظمة “إرهابية”، الأنفاق لتهريب الأسلحة، وأنها تزوّد عناصرها بأسلحة مسروقة من القواعد العسكرية الصهيونية”، وفق الصحيفة.
خرق أمني
خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وعلى بعد أربعة كيلومترات من قاعدة “تسليم” العسكرية شمال النقب، سُرق ما يقارب 20 ألف رصاصة من نوع “م 16” من شاحنة ذخيرة تابعة للجيش الصهيوني، وكذلك تمت سرقة أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية وشرطية من منطقة القتال في الجنوب، بما في ذلك قنابل يدوية وخراطيش ورصاص وغيرها، علاوة على سرقة صاروخ متطور مضاد للدبابات من نوع “ماتادور” مزود بنظام إطلاق. ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإن الصهيوني الذي انتحل صفة عسكرية مطلع الحرب على غزة واعتقل بعد أشهر عدة، سرق بندقية هجومية من طراز M4 وثلاث عبوات ناسفة و14 قنبلة صوت، وقنبلتي دخان وقذيفة M203 وصندوق ذخيرة 5.56 مليميترات وصندوق ذخيرة مسدس عيار تسعة مليميترات وجهاز لوحي للجيش الصهيوني وطائرة من دون طيار وسترات واقية للجيش وخوذات، بل قام بنقل بعض الأسلحة والذخائر بسيارته إلى أماكن مختلفة، مما اعتبرته وسائل إعلام إسرائيلية “خرقاً أمنياً” من العيار الثقيل. كما فتحت الشرطة الصهيونية تحقيقاً مشتركاً مع الجيش الصهيوني حول ملابسات قضية سرقة دبابة من طراز “ميركافا 2” من قاعدة عسكرية إسرائيلية للتدريبات شمال إسرائيل العام الماضي. وفي أكتوبر عام 2022، سرق نحو 30 ألف رصاصة لبنادق ومدافع من القاعدة العسكرية “سديه تيمان” في النقب التابعة للواء جفعاتي، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، تم اختراق قاعدة “الصنوبر” العسكرية في الجولان شمال إسرائيل وسرقة عشرات البنادق و70 ألف رصاصة و70 قنبلة يدوية، إلى جانب الحادثة التي حصلت مطلع عام 2021 وسرق فيها أكثر من 93 ألف رصاصة من عيار 5.56 ميلميتر من قاعدة التدريبات القومية للجيش الصهيوني قرب كيبوتس “تسيئيليم” التي اعتبرت واحدة من أكبر سرقات الذخيرة في تاريخ الجيش، بخاصة في قاعدة عسكرية كبيرة كهذه التي شهدت خلال العقد الأخير سرقات أسلحة وعتاداً عسكرياً. وبحسب تصريحات الجنرال الصهيوني المتقاعد إسحاق بريك، “يكاد لا يمرّ أسبوع من دون سرقة أسلحة وذخيرة في الجيش الصهيوني”، إذ إن فقدان الأسلحة من القواعد العسكرية الصهيونية ليست ظاهرة جديدة على مسامع قادة الجيش الصهيوني، ووفقاً لمعطيات رسمية صادرة عن الجيش، سُرق عام 2017 نحو 70 بندقية من طراز “أم 16” ومسدسات وآلاف الرصاصات من مخازنه. وعام 2018، سُرقت 50 بندقية ومسدسات وكميات كبيرة من الذخيرة، منها عشرات آلاف الرصاصات. وفي 2019، سُرقت أيضاً عشرات البنادق والمسدسات وآلاف الرصاصات، وفي 2020 سُجّلت سرقة 80 قطعة سلاح ونحو 100 ألف رصاصة. في حين كشف تقرير لصحيفة “هآرتس” الصهيونية عن أنه بين الأعوام 2013 و2020، سُرقت من القواعد العسكرية الصهيونية نحو 323 بندقية من طراز “أم 16” و75 بندقية من طراز “أم 4” وكذلك 84 بندقية من طراز “تافور” و82 قاذف بندقية و32 رشاشاً من طراز “ماغ” و527 قنبلة يدوية و47 صاروخاً من طراز “لاو” و386 عبوة ناسفة شديدة الانفجار ونحو 300 ألف رصاصة من عيار 5.56 ميلميتر.
انخفاض الأسعار
المؤسسة الأمنية الصهيونية اعترفت في مناسبات عدة بسرقة أسلحة وأدوات قتالية من مستودعات الجيش الصهيوني والصناعات العسكرية، موضحة أن آلاف قطع السلاح تأخذ طريقها من هذه المستودعات سنوياً وتباع بالسوق السوداء، سواء في المناطق العربية داخل اسرائيل أو في الضفة الغربية. وشرحت هيئة البث الصهيونية “كان” أن كثيراً من الأسلحة التي سرقت من قواعد الجيش الصهيوني تم توزيعها بصورة كبيرة على “العصابات المسلحة والمافيا”، مما أدى إلى انخفاض كبير في أسعارها.
فالقنبلة اليدوية التي كانت تباع قبل الحرب بنحو 6000 شيكل في السوق السوداء، تباع الآن ببضع مئات من الشواكل فقط. ومع ذلك يؤكد خبراء ومحللون أن بيع قطع السلاح في السوق السوداء، تحققت منه أرباح طائلة للتجار الصهيونيين والفلسطينيين على حد سواء، فعلى سبيل المثال قد يصل سعر بندقية “M16” في السوق السوداء إلى أكثر من 30 ألف دولار، بينما يبلغ سعر الرصاصة الواحدة نحو ثلاثة دولارات. في حين يباع المسدس بنحو 500 دولار للقطعة، وهناك خوذة تُقدّر بـ600 دولار، ودرع واقٍ من الرصاص بـ 1500 دولار، ورشاش بمبلغ 7000 دولار، وقد يبلغ ثمن صاروخ أضعاف ذلك بكثير. وتقدر مصادر إسرائيلية وصول قيمة المسروقات من الأسلحة سنوياً إلى 15 مليون دولار أميركي. وإلى جانب ذلك، فإن تهريب السلاح من الخارج يعتبر المصدر الثاني للسلاح في الضفة الغربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطريق الآمن
على رغم إعلان السلطات الصهيونية إحباط نحو 60 محاولة لتهريب السلاح خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ضبطت خلالها نحو 1000 بندقية، إضافة إلى مئات المسدسات والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة، يرى مراقبون أن ظاهرة تصاعد وتيرة التسلل إلى القواعد العسكرية وسرقة الذخيرة والوسائل القتالية تواجه تحديات معقدة وصعبة بالنسبة إلى الجيش. وعقب أحداث السابع من أكتوبر وتفاقم فوضى انتشار السلاح والخوف الصهيوني المتنامي من أن تقع تلك الأسلحة المتطورة في أيدي الفصائل المسلحة في الضفة عبر تجار سلاح، شددت الشرطة الصهيونية قبضتها على كل ما يتعلق بضبط الأسلحة والوسائل القتالية في المجتمع العربي داخل إسرائيل ضمن عملية معقدة أسمتها “الطريق الأخضر الآمن”، ونفذت حملات تفتيش وجمع معلومات استخباراتية واعتقالات، بهدف العثور على أسلحة مسروقة من القواعد العسكرية التابعة للجيش. وبحسب الشرطة تم ضبط منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر إجمالي 1044 قطعة سلاح من مختلف الأنواع منها 822 قطعة في البلدات العربية. وبحسب استخبارات الشرطة الصهيونية وما أوردته صحيفة “إسرائيل اليوم”، فإن معظم الأسلحة المرخصة التي يبيعها صهيونيون بغية الحصول على المال، تباع بالفعل لعصابات الجريمة المنظمة ويتدفق بعضها إلى الضفة الغربية.
إضافة تعليق