سجل الآن

تسجيل دخول

فقدت كلمة المرور

فقدت كلمة المرور الخاصة بك؟ الرجاء إدخال عنوان البريد الإلكتروني الخاص بك. ستتلقى رابطا وستنشئ كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.

تسجيل دخول

سجل الآن

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit.Morbi adipiscing gravdio, sit amet suscipit risus ultrices eu.Fusce viverra neque at purus laoreet consequa.Vivamus vulputate posuere nisl quis consequat.

“عشيات ميدان”… صرخات ضد الحرب في جزيرة زولا  

<p class=”rteright”>منزل إميل زولا في ميدان بالقرب من باريس (أ ف ب)</p>

غالباً ما ينسب كتاب “عشيات ميدان” (على اسم بلدة غير بعيدة من باريس) إلى الكاتب الفرنسي إميل زولا، مع أن في الكتاب حين صدر بهذا العنوان عام 1880 ستة نصوص دبجها ستة من الكُتاب الفرنسيين قد يكون زولا أشهرهم، غير أن النص الأفضل والأشهر في الكتاب يبقى نص غي دي موباسان المعنون في الكتاب بـ “بول دي سويف”، والذي اقتبس للسينما مرات عدة خلال القرن الـ 20، ولا يضاهيه هنا في الشهرة والقوة سوى نص هويسمان.

ولكن بما أن الخمسة الآخرين المشاركين في الكِتاب كانوا أصغر سناً من زولا وبعضهم تلامذة له، وبما أن الفكرة كانت فكرته وأنه كان هو القاطن في بلدة ميدان حيث اجتمع الكُتاب من حول ذلك المشروع في جزيرة صغيرة على نهر السين، تواجه دارته وليس في دارته تماماً كما يذكر بعضهم، كان منطقياً أن ينسب الكتاب إليه، ثم إنه كان هو صاحب الفكرة لكنه لم يكن مبتكرها تماماً.

على خطى بوكاشيو

في نهاية الأمر كانت فكرة استعارها زولا من سلفه الكبير الكاتب النهضوي الإيطالي بوكاشيو مع فارق ربما يكون جذرياً حتى وإن كان في الشكل إجرائياً، فلئن كان زولا قد أحدث في الفكرة الأساس تعديلاً جعلها تقوم عل جمع كُتاب آخرين فعليين من حوله طوال عشيات تندّر وحكي وسجال من حول الإبداع، طالباً في نهاية الأمر من كل واحد منهم أن يكتب أو يروي نصاً مستلهماً من تلك اللقاءات، وتدور جميعاً من حول وعن الظرف الاجتماعي وربما السياسي والحدثي الذي نتجت منه اللقاءات، وهو ما سنعود له بعد سطور، فإن مشروع بوكاشيو إنما قام على التباس يفترض معه بعضهم أن مجموعة حكايات “ديكاميرون” التي نتجت من ذلك المشروع النهضوي المؤسس، وفحواه أن للحكايات عدداً من مؤلفين فعليين اجتمعوا في قصر خارج فلورنسا ليقوموا بمهمة مشابهة، بينما يرى آخرون أن بوكاشيو ابتدع الحكاية من أساسها ولم يشرك معه في المشروع أحداً، والمهم هنا هو أن زولا اقتبس مشروعاً قديماً وعصرنه وأشرك معه في تحقيقه نخبة من كُتاب شبان لتكون النتيجة في الحالين عملاً أدبياً شديد الخصوصية.

بعيداً من الموت والدمار

ربما يصح أن نقول أن خلفيتيهما متشابهتان، ففي حال بوكاشيو كان وباء قاس يعم تلك المنطقة الإيطالية من العالم مما دفع الكاتب إلى جعل رواته يجتمعون في ذلك المكان الفردوسي النائي الذي التجأوا إليه بعيداً من مناطق انتشار الوباء، حيث راحوا يتبادلون تلك الحكايات والقصص المبتكرة أو المستعارة، وحتى من “ألف ليلة وليلة” العربية كما يفترض بعضهم، أما في حال إميل زولا فإن الحرب المندلعة بين القوات البروسية الألمانية والقوات الفرنسية كانت من العنف والدمار، إذ إن زولا ورفاقه التجأوا خلال العراك إلى بلدة ميدان حيث طبقوا فعلياً ما ابتكره بوكاشيو جاعلاً شخصياته تبدع من خلاله عبر مطالبته كُتابه بكتابة تلك النصوص التي حملت في النهاية، حين صدرت مجموعة في كتاب واحد، ذلك العنوان الجماعي الذي اشتهرت به. وكان من شهرة زولا في ذلك الزمن أن اعتقد كثر أنه هو مؤلف الكتاب، وذلك على رغم أن بقية المشاركين قد نشروا، كل منهم من ناحيته، نصوصهم قبل صدور الكتاب الجماعي، إما في مجموعات قصصية تخص كل واحد منهم على حدة، وإما في مجلات وصحف تلك المرحلة، والمهم أننا هنا أمام مجموعة نصوص يمكن وصف كل واحد منها بأنه صرخة ضد الحرب قبل أن يكون أي شيء آخر.

الحرب في الخلفية

في الكتاب الجماعي الذي لم يصدر إلا متأخراً أعواماً عدة عن زمن كتابة النصوص، يبدأ المشروع بنص لزولا عنوانه “الهجوم على الطاحونة”، وفيه يتصدى الكاتب الكبير لعبثية الحروب، كل الحروب، وكونها مجرد قتل وتدمير لا ينتصر فيهما أحد، وذلك من خلال وصفه انتصاراً لسرية من القوات الفرنسية تشن هجوماً غايته استعادة طاحونة كان الألمان قد استولوا عليها، ولكن الجنود سرعان ما يذهلون إذ يتبين لهم أن المعركة أسفرت عن إبادة السكان أصحاب الطاحونة.

 

 

وفي قصة “كيس على الظهر” لهويسمان يصف لنا الكاتب تشرد جنديين مصابين بالـ “ديزنطاريا” من مكان إلى آخر، وقد بات لا يهمهما من الحرب سوى إبرائهما مما هما مصابان به، وفي نص عنوانه “قضية لوغران رقم 7” يروي هينيكي حكاية الجنون القاتل الذي يصيب فرقة من الجند لا تتوانى حين تنشق عن القوات الرئيسة عن مهاجمة بيت دعارة، وإبادة كل المقيمين العاملين والعاملات فيه من دون أدنى سبب، أما في نص الكاتب إليكسيس المعنون بـ “بعد المعركة”، فتطالعنا حكاية لقاء يحدث بين واحد من الجنود وامرأة تحمل تابوتاً تنقل فيه جثمان زوجها الذي قتل خلال المعركة، وفي المقابل ثمة مشهد تحمله قصة “المدماة” وتدور أحداثه خلال حصار باريس، وفيه يصور لنا الكاتب جيرار حكاية جنرال في الجيش تدفعه نزوات عشيقته إلى التسبب في مقتل أعداد كبيرة من الجنود خلال الحصار.

البورجوازيون والعاهرة

وتبقى هنا القصة التي ترد ثانية في المجموعة، وهي بالطبع قصة غي دي موباسان التي أشرنا إليها أول هذا الكلام، ونعرف أنها حققت من الشهرة وحملت من القوة في تناول الحرب خارج إطار القتل والموت والأوبئة المباشرة، ما لم تحققه أي من قصص المجموعة الأخرى، بما في ذلك قصة إميل زولا، فقصة “بول دي سويف” التي أُفلمت على يد حفنة سينمائيين تمتد من ميخائيل روم في الاتحاد السوفياتي إلى جون فورد في السينما الهوليوودية، مروراً بسينمائيين كبار في بلدان عدة أخرى، تقول الحرب من جانبها الأخلاقي من دون أن تقولها مباشرة، ومن هنا كان فعلها أكثر من فعل أي نص كتب عن الحرب.

 

 

في هذه القصة يتناول موباسان، الذي كان أستاذه غوستاف فلوبير من قدمه أصلاً إلى إميل زولا الذي سارع إلى تبنيه، حكاية مجموعة من أشخاص جمعتهم عربة تمكنوا من الحصول عليها من دون أن يكونوا على معرفة ببعضهم بعضاً، وكانوا يقومون بالرحلة معاً لغاية مشتركة هي الهرب من حيث تدور المعارك بين الألمان والفرنسيين، وكان يجمعهم من الناحية الاجتماعية كونهم من الطبقة البورجوازية، سواء جاء بعضهم من الهافر أو من روان، ولكن كان ثمة امرأة بينهم تسافر وحيدة وسرعان ما يتبين لهم أنها فتاة هوى، لكن مصيرها هنا لا يختلف عن مصيرهم فيما عدا أمر واحد، كون البورجوازيين توافقوا بسرعة على نبذها لأن أخلاقها لا تتفق مع أخلاقهم، ومن الواضح أن وحدة الهم ووحدة المصير لا تؤثر في نظرتهم إليها، نظرة يتواكب فيها الاحتقار مع التجاهل.

عند الحاجز الألماني

لكن الذي سيحدث هو أن العربة تصل ذات لحظة إلى حاجز للجيش الألماني، وسيحدث أن الضابط الألماني الذي سيحلو له أن يعامل مجموعة الفارين بقدر كبير من القسوة، باعتباره قائداً لمجموعة جيش الاحتلال المتحكم بمصائر البلاد والعباد، يلطف من غلوائه اكتشافه وجود تلك المرأة، ويقرر أنه سيدع المسافرين لحالهم يكملون طريقم من دون أذى إن هو تمكن من الحصول على تلك السيدة، لكن السيدة ترفض، ومن منطلق موقف وطني تحديداً، فهي لا تريد الاستجابة لمطلب قائد من قادة جيش الاحتلال، لكن هذا الموقف المبرر وطنياً، وإذ يتحول إلى عبء على كاهل المسافرين الذين “لا يقلون وطنية عن السيدة” على أية حال، يصدم مواطنيها من رفاق رحلتها الذين بدلاً من أن يقيموا موقفها يتحولون من ناحيتهم إلى متوسلين لها كي تقبل طلب الضابط وتؤجل وطنيتها بعض الشيء.

وفي النهاية وحين تقتنع السيدة أن تضحيتها بجسدها ستكون في هذه الحال خدمة للوطن، تقبل بـ “التضحية” ولو على مضض، ويتابع الجميع رحلتهم عند صبيحة اليوم التالي والكل سعداء، إنما باستثناء “بول دي سويف” التي كانت تعتقد أن التضحية التي بذلتها ستنيلها شيئاً من احترام مواطنيها، تكتشف أن احتقارهم لها قد زاد، فهي الآن وبالنسبة إليهم لم تعد مجرد فتاة هوى تبيع جسدها لمن يشتري، بل كذلك خائنة تمارس مهنتها مع الأعداء ومن دون مقابل، وقد تناسوا أنهم هم من كانوا يتوسلونها قبل ساعات أن تفعل ذلك لإنقاذهم.

subtitle: 
مجموعة مبدعين تحلقوا حول الكاتب الفرنسي للتنديد بالدمار فنياً في فكرة مستعارة من “ديكاميرون”
publication date: 
الخميس, سبتمبر 19, 2024 – 14:00

‎إضافة تعليق