ما هدف إسرائيل من تفجيرات اللاسلكي في لبنان؟
<p>رجل خلال تشييع أحد قتلى “حزب الله” الذين قضوا في تفجيرات اللاسلكي (أ ف ب)</p>
في الأيام الماضية، انتقلت المواجهة بين الجيش الصهيوني و”حزب الله” إلى مرحلة تصعيد جديدة على إثر هجمات لم يسبق لها مثيل في العالم، سلسلة انفجارات متزامنة لأجهزة “بيجر” واتصالات لاسلكية كانت بحوزة الآلاف من عناصر ومناصري الحزب في لبنان وسوريا أسفرت عن 37 قتيلاً وأكثر من 2931 جريحاً.
لم يكن معظم هؤلاء على الجبهة القتالية، بل كانوا في منازلهم وسياراتهم وعلى دراجاتهم وفي الأسواق والمحال التجارية، ما تسبب باندلاع حرائق في عدد من المنازل والسيارات وسقوط جرحى في صفوف المدنيين والتدفق إلى المشتشفيات بأعداد كبيرة وسط حالة من الهلع في المناطق المستهدفة وعموم البلاد.
بعد الهجوم الأول الثلاثاء الماضي، أصيب اللبنانيون بالصدمة لقساوة المشهد وحجم الإصابات وامتدادها، وكان الترقب سيد الموقف لبضع ساعات: هل الحرب الشاملة قيد الاندلاع؟ لكن مع حلول المساء اتضح أن الهجوم إجراء منعزل غير مرتبط بأي عمليات عسكرية عند الحدود، وحصيلته 12 قتيلاً ونحو 2323 جريحاً، بحسب الحصيلة الرسمية لوزارة الصحة اللبنانية.
وفيما كان الأطباء لا يزالون يعالجون جروح المصابين، جاء الهجوم الثاني أول من أمس الأربعاء ليدفع سيلاً جديداً من الجرحى إلى المستشفيات، 608 مصابين و25 قتيلاً نعاهم “حزب الله”. موجة التفجيرات الثانية شكلت مفاجأة وطرحت تساؤلات عدة: ما الذي تريده إسرائيل من وراء هذه الهجمات؟ لماذا نفذتها على التوالي وكيف ستؤثر في مجريات الصراع؟
ضربة كبيرة
تقول أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية د. ليلى نقولا إن هدف إسرائيل من وراء هذين الهجومين المتتاليين في هذا التوقيت بالذات غير واضح بعد، “هل كانت رسالة لحزب الله بأنها تمتلك مفاجآت في الميدان؟ أم أنها تريد تحقيق انهيار نفسي قبل توسيع الحرب؟”، الإجابة رهن الأفعال الصهيونية في الأيام المقبلة. وتستبعد نقولا رواية البعض بأن “حزب الله” اكتشف الخرق الصهيوني فاضطرت تل أبيب لتنفيذ الهجوم، موضحةً أنه لو كان الحزب يعلم بالأمر لتخلص من جميع الأجهزة من دون أن يسمح بالخرق لليوم الثاني.
باعتراف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، كانت هذه التفجيرات ضربة كبيرة وموجعة، لكنها لم تطل كبار قادة الحزب ولم تؤثر بالتالي بهرمه القيادي. غير أنها ألحقت ضرراً في عديده البشري ولو جزئياً، إذ يوضح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني خليل الحلو أن “عدد الإصابات كبير وهي إصابات تشل بغالبيتها المصابين لأنها في الأيدي والعيون أو تخفف من قدرتهم على العمل داخل الحزب”.
أما لناحية الضرر الذي لحق بمنظومة الاتصالات الخاصة بـ”حزب الله”، فيرجح الحلو عدم تضرر “شبكة الهواتف المقفلة التي يملكها الحزب عبر أجهزة مصدرها إيران متقدمة تكنولوجياً”، موضحاً أن أجهزة “البيجر” هي مجرد وسائل تبليغ يمكن للحزب استبدالها تباعاً فيما تعتبر أجهزة الاتصال اللاسلكي وسائل اتصال تكتيكية وغير استراتيجية لا تؤثر بقدرات الحزب القتالية، بدليل أن الحزب لا يزال مستمراً في تحركاته على الجبهة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الهدف الصهيوني
على رغم قسوة الضربة إذاً إلا أنها لم تؤثر جدياً في قدرة “حزب الله” القتالية. فما الهدف الصهيوني من ورائها؟
تقول نقولا إن لإسرائيل هدفين أساسيين في الجبهة مع لبنان، أولاً إعادة المستوطنين إلى الشمال، وثانياً إبعاد “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني، موضحةً أنه إذا استطاعت إسرائيل فرض ذلك عبر المفاوضات فهي تفضل ألا تقع الحرب وألا تتكبد خسائر، “لكن بما أن التهديد والضغط لم يحققا ذلك ولم يدفعا حزب الله إلى فصل مساره عن مسار غزة، لذا تريد إسرائيل أن تقوم بضغط ميداني إما بالتهديد بحرب، أو بالاستفادة مما حصل جراء تفجيرات الأجهزة للضغط على حزب الله للقبول بتقديم تنازلات، وإما بتنفيذ عملية برية محدودة كما يقول الصهيونيون لدفع الحزب إلى التنازل والابتعاد عن الحدود وبالتالي إرجاع المستوطنين”.
وفي هذا السياق، يشير الحلو إلى أن إسرائيل “تواجه ضوءاً أحمر أميركياً كبيراً يمنعها من تنفيذ عمل بري كبير في لبنان أو تنفيذ ضربة كبيرة توسع الصراع، لأن تورط إيران في الصراع يعني توريط أميركا، والأخيرة لا تريد التورط في أي صراع في المنطقة”. وبالتالي، تسعى إسرائيل بحسب الحلو لـ”زيادة الضغط لإجبار حزب الله على القبول بالانسحاب من دون عمل بري”.
لكن هل “حزب الله” مستعد لتقديم هذه التنازلات؟ تشرح نقولا أنه “بشكل عام وفي العلاقات الدولية، الكلفة الكبيرة أو الخسارة هي التي تؤدي بالأطراف أو الدول إلى تقديم تنازلات. لغاية اليوم لا يعتبر حزب الله نفسه مهزوماً وليس بوارد تقديم تنازلات، يعتبر أنه ما زال يحقق الردع تجاه إسرائيل وأن المعركة ما زالت متكافئة معها”. وتضيف أستاذة العلاقات الدولية أن تقديم التنازلات قد يأتي أيضاً “في حال هزيمة أو تجنب هزيمة، وحزب الله لم ينهزم ولا أعتقد أنه بوارد تقديم تنازلات لتجنب هزيمة لأنه لا يعتقد أنه سوف ينهزم”.
هل من حرب كبرى؟
كل ما سبق يشير إلى أن الأمر معقد والصراع على الحدود اللبنانية– الصهيونية قد يطول. وفي الأيام أو الأشهر المقبلة، سيرد “حزب الله” بالتأكيد على هجمات اللاسلكي الصهيونية، فهل نحن أمام حرب كبرى؟
خيارات الحزب للرد متعددة لكن لجميعها عوائق وفق ما يقول الحلو. ويشرح، “إذا رد باستخدام صواريخ دقيقة قد تفتح إسرائيل حرباً كبيرة لا يريدها حزب الله. وإذا رد باستهداف منصات الغاز والنفط في البحر وهو هدف استراتيجي، سترد إسرائيل بشكل مدمر وهو ما لا يريده حزب الله. يمكن لحزب الله أن ينفذ اغتيالات في الخارج لكن ذلك مستبعد لأنه يبدو أن الحزب تخلى عن هذه الفكرة منذ زمن لعدم اتهامه بالإرهاب. وقد يرد الحزب في الميدان كما يفعل الآن ويحقق إصابات في إسرائيل لكن النتائج التي نراها ليست كما هو منتظر أو متوقع. أو يمكن لحزب الله تنفيذ عمل داخل إسرائيل من خلال التواصل مع عرب الداخل والمتعاطفين معه هناك، كاغتيال شخصية كبيرة، وهنا نشير إلى أنه في يوم الثلاثاء نفسه الذي حصلت فيه التفجيرات، قالوا في إسرائيل إنهم اكتشفوا عبوة ناسفة مزودة بكاميرا ويتم تشغيلها عن بعد لمحاولة اغتيال شخصية كبيرة واتهموا حزب الله بها”.
إسرائيل من جانبها تتمتع بتفوق عسكري وجوي وتكنولوجي، وعلى رغم ذلك تفضل إنهاء الوضع على جبهتها الشمالية دبلوماسياً عبر المفاوضات لتفادي الخسائر أو تخفيفها بحسب ما يقول الحلو، أما “إذا كان الصهيونيون يريدون تنفيذ عملية برية في لبنان، فيرجح أن يحصل ذلك في الوقت القريب قبل الانتخابات الأميركية وإلا سيصبح ذلك صعباً”.
وفي ضوء هذه المعطيات، تؤكد نقولا من جهتها “ألا أحد في المنطقة معني بحرب كبرى، لا حزب الله ولا الأميركيين ولا الإيرانيين”، وتضيف أن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو “يريد أن يندفع إلى حرب كبرى ليجر الأميركيين إليها وليحقق مكاسب، لكن الحرب الكبرى هي خسارة للمنطقة وللجميع، لذا أعتقد أن حزب الله لن يدفع الأمور إلى حرب كبرى إلا إذا اضطر عليها فسوف يخوضها”.
إضافة تعليق