تونس الشغوفة بالسينما تصلها الأفلام “ديليفري”
<p>شاحنة “سينما تدور” هي أول سينما متجولة في تونس ( السبعة المنتقمون)</p>
هي شاحنة كبيرة الحجم، حمراء اللون، تبدو من بعيد كأنها حاوية بضائع، إلا أنها تبهرك عند الاقتراب منها، فهي قاعة سينما متنقلة تتسع لـ100 مقعد، ويتغير حجمها عند بداية عرض الفيلم لتصبح قاعة متكاملة ذات شاشة سينمائية جذابة وبجودة صوت عالية.
شاحنة “سينما تدور” هي أول سينما متجولة في تونس، وفي القارة الأفريقية، استطاعت في جولاتها الأولى استقطاب عدد كبير من جمهور الفن السابع.
ويهدف المشروع والفكرة لكسر العزلة عن عدد من المناطق، وتحقيقاً لمبدأ العدالة الثقافية، وهي مبادرة فريدة من نوعها، تتنقل بين ربوع جهات الجمهورية، لتزرع في الناس حب السينما، من خلال تقديم عروض سينمائية في مناطق نائية تنعدم فيها القاعات.
المبادرة المشروع هي فكرة فريدة من نوعها، ووليدة رغبة من أصحابها في إيصال السينما إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور التونسي الشغوف بالسينما.
وعن أصالة الفكرة وأبعادها تشير مديرة المشروع مريم زيد في تصريح لـ” السبعة المنتقمون”، إلى أن “الحكاية تعود إلى عام 2022 في جزيرة جربة، حيث أغلقت آخر قاعة سينما منذ نحو 15 عاماً”، لافتة إلى أنها بحثت ومن معها عن طريقة لتقريب السينما من التونسيين، ومن أهالي جربة تحديداً، واكتشفت أن عدداً من القرى في فرنسا منذ عقود تمر بها شاحنة السينما المتنقلة ويستعد السكان لمواكبة آخر العروض السينمائية”.
استوعبت مريم زيد ومن معها الفكرة، وانطلقوا في التنفيذ من خلال استيراد الشاحنة من فرنسا، وقتها عجزت مصالح الجمارك التونسية في البداية عن إيجاد تصنيف لشاحنة السينما إلا أنها تفهمت نبل المبادرة وتمكن الفريق في ما بعد من تسوية الوضعية الديوانية للشاحنة.
من 70 إلى 15 قاعة سينما
توجد في تونس اليوم 15 قاعة سينما تتركز في العاصمة، وقاعة وحيدة في بنزرت أما بقية القاعات فقد أغلقت وتحولت إلى مقاهٍ ومطاعم، بينما كان في تونس خلال حقبة السبعينيات أكثر من 70 قاعة سينما في العاصمة ومختلف المناطق الداخلية، مما يعكس تآكل خارطة دور السينما في الجمهورية، وهو ما يضفي على مشروع السينما المتنقلة قيمة ووجاهة مؤكدتين.
الشاحنة تتسع لـ100 مقعد، وتتغير مساحتها باستخدام آليات هيدروليكية لتصبح المساحة الإجمالية للشاحنة 84 متراً مربعاً، وبها جميع المواصفات الفنية لقاعة سينما، من إضاءة وجودة في الصوت، ومدخل ومخرج، وكذلك فضاء خاص بتجهيزات العرض، علاوة على مطابقتها لمواصفات السلامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتؤكد مديرة المشروع أن “الشاحنة (السينما) تنقلت في أبريل (نيسان) الماضي من محافظة قابس ثم محافظة توزر ثم نفطة والآن في قفصه (جنوب)”، وتتفاعل زيد مع مختلف المؤسسات الخاصة والعامة من أجل “تقريب السينما إلى الأطفال والعمال في المصانع، وعموم الناس في مختلف بقاع الجمهورية، ويتم التنسيق مع المصالح البلدية والأمنية لتكون ظروف العرض قانونية وآمنة وفي متناول الجميع”.
بيع أكثر من 12 ألف تذكرة وعرض 34 فيلماً
وتضيف مريم زيد أنه “تم بيع 12 ألف و100 تذكرة سينما، منذ بداية العروض، وتم أيضاً عرض 34 فيلماً بينها أفلام تونسية وأخرى مخصصة للأطفال وأفلام رعب في أكثر من 215 حصة عرض، وتوقفت الشاحنة 13 مرة في مناطق مختلفة من الجمهورية”.
وعن نوعية الأفلام المعروضة تشير مديرة المشروع إلى أنها “متنوعة، وبأسعار رمزية، وتستجيب لتطلعات وأذواق الجميع، كما تم تقديم أفلام خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي خاصية غير موجودة في قاعات السينما في تونس”.
ولتحسين مواردها المالية، لا تقتصر مبادرة “سينما تدور” على عرض الأفلام، بل تنظم العروض الفنية والمسرحية، كما تقوم بتأجير الشاحنة للمؤسسات الخاصة والعامة، وكذلك للفعاليات والمهرجانات.
بنية تحتية ثقافية بائسة
وفي المقابل، ورغم أصالة المبادرة وعمقها، يرى الكاتب والناقد الثقافي كمال الشيحاوي أنه “من حق سكان المناطق النائية أن يتمتعوا بالعروض السينمائية والثقافية في إطار ما يعرف بالعدالة في الولوج إلى الثقافة، ويلقي باللوم على مؤسسات الدولة التي حرمت أبناء المناطق النائية من السينما”.
ويصف الشيحاوي البنية التحتية الثقافية في تونس، بـ”البائسة”، مشيراً إلى أنه “بعد أكثر من 60 عاماً من الاستقلال تعجز الدولة بمؤسساتها عن توفير قاعات سينما لعموم التونسيين في مختلف المناطق”، معتبراً ذلك علامة “تأخر ثقافي”، ولافتاً إلى أنه “يتقاسم شعور ذلك الشاب المقيم في منطقة نائية، وينتظر من مؤسسة خاصة أن تقدم إليه عروضاً سينمائية على متن شاحنة متنقلة بينما لا توجد في منطقته قاعة سينما”.
ويعد الشيحاوي أن “فرادة وروعة المشروع، لا يجب أن تنسينا عمق الإحساس بالغبن والتهميش، الذي يعانيه أطفال وشباب المناطق الداخلية”، مستغرباً “لا مبالاة الدولة الوطنية التونسية التي كان عليها أن توفر بنية تحتية ثقافية متكاملة، تجعل من الولوج إلى المسرح والسينما أمراً متاحاً للجميع”.
ويستحضر الكاتب والناقد الثقافي أن “نوادي السينما والجمعيات السينمائية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت جزءاً من حركة أدبية وثقافية وسياسية، وكانت مساحات مفتوحة للنقاش، والفيلم ليس إلا مدخلاً للنقاش العام بين الجمهور حول واقعه وقضاياه”، داعياً إلى أن “تكون الأفلام المعروضة عميقة في أبعادها ملتزمة بمشاغل الإنسان، وهمومه من أجل إذكاء النقاش العام حول كبرى القضايا التي تشغل الإنسانية”.
إضافة تعليق