تحقيق استقصائي يرسم العالم السري لتأمين ناقلات النفط الروسية
<p>تتعامل مضائق الدنمارك مع نحو نصف تريليون دولار من التجارة سنوياً ونحو 7 في المئة من النفط البحري العالمي (أ ف ب)</p>
كان أحد الأسئلة المفتوحة في سوق الطاقة منذ الحرب الروسية على أوكرانيا هو من الذي يؤمن ناقلات النفط الروسي ضد خطر التسرب الكارثي؟ والإجابة وفقاً لـ”بلومبيرغ”، هي أنه بينما لا يزال البعض مشمولاً بالتغطية من قبل الشركات الغربية التي اعتادوا استخدامها دائماً، يتجه المالكون بصورة متزايدة نحو مقدمي الخدمات الروس المدعومين من شركات إعادة التأمين التي تديرها الدولة، والتي تخضع لعقوبات شديدة، وفي بعض الحالات توجد شركات تأمين في مواقع مثل الكاميرون وقيرغيزستان.
أدى التحول في تغطية التأمين إلى خلق حالة من عدم اليقين في شأن مدى سرعة وشمولية التعويضات في حال حدوث مشكلة خطرة، وسلط الضوء على حساسية هذا الموضوع في الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، حينما أعلنت السلطات البريطانية أنها ستبدأ في تحدي الناقلات التي يشتبه في امتلاكها تأمينات “مشبوهة” عند مرورها عبر القنال الإنجليزي.
وتقدم النتائج، التي كشف عنها من خلال بيانات جمعتها إستونيا هذا الصيف إلى جانب أبحاث من “بلومبيرغ” ومنظمة “دانواتش” للصحافة الاستقصائية، نظرة تفصيلية على الأخطار البيئية التي تتحملها الدول الأوروبية بسبب العقوبات التي فرضتها على موسكو، وتكشف النتائج عن تأثير عكسي ناتج من إجبار عدد هائل من السفن على العمل في الخفاء.
وقال رئيس الشؤون الخارجية في شركة “نورث ستاندرد”، مايك سالثهاوس، إحدى أبرز شركات التأمين البحري في العالم “الأشخاص الذين يعانون الخسائر، مثل الصيادين وصناعة السياحة، قد يواجهون تأخيرات في تلقي التعويضات أو قد لا يتلقون تعويضات على الإطلاق”.
الشركات الغربية
قبل الحرب، كانت الغالبية العظمى من تأمين شحنات الناقلات النفطية الروسية تأتي من شركات غربية تنتمي إلى مجموعة الحماية والتعويض الدولية، وكانت هذه الشركات تشتري كميات كبيرة من إعادة التأمين لحماية نفسها من أسوأ السيناريوهات، مشددة على ضرورة اتباع السفن أعلى معايير السلامة لتقليل الأخطار الصناعية إلى أدنى حد ممكن.
وتظل تلك الشركات نشطة في هذا المجال، لكن انضمت مجموعة متزايدة من الشركات الجديدة، لا سيما الشركات الروسية، وفقاً لأبحاث “بلومبيرغ”.
وفحصت السلطات الإستونية أوراق التأمين لنحو 150 ناقلة نفط تنقل البترول الروسي في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين، وأظهرت النتائج أن 20 في المئة إلى 25 في المئة من هذه الناقلات كانت مغطاة من قبل شركات روسية.
وبينما قد يوحي ذلك بحصة كبيرة من التغطية الغربية، فمن غير المحتمل أن تكون هذه هي الحال في الممارسة العملية، إذ لم تتمكن إستونيا من رؤية تغطية كل سفينة، وقد لا تكون السفن ذات التغطية الأكثر غموضاً قد تعاونت أو عبرت المياه التي تتجاوز نطاقها، وبناءً على الشحنات التي رصدتها “بلومبيرغ”، حدد تحقيق إستونيا نحو 40 في المئة من الأسطول المار.
إعادة التأمين الروسية
إضافة إلى بيانات إستونيا، راجعت “بلومبيرغ” و”دانواتش” الوثائق الخاصة بالناقلات التي رصدت بينما هي تنقل النفط الروسي، واستعرضت مواقع شركات التأمين وقواعد البيانات الصناعية، وتحدثت مع أشخاص لديهم معرفة تفصيلية بممارسات نقل النفط والتأمين في البلاد.
ومن المهم الإشارة إلى أن شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية أو (RNRC)، تدعم ثلاث شركات مقرها موسكو تقدم جزءاً من التأمين للناقلات التي تنقل نفط البلاد ضد التسربات والاصطدامات عبر مضيقي الدنمارك وتركيا، واكتشفت السلطات الإستونية أن شركة تأمين كاميرونية وأخرى قيرغيزية تغطيان في الأقل ناقلتين لكل منهما.
وتتعامل مضائق الدنمارك مع نحو نصف تريليون دولار من التجارة سنوياً ونحو 7 في المئة من النفط البحري العالمي، وفقاً لبيانات من خدمات “كلاركسون للبحوث”.
وقال وزير الأعمال الدنماركي، الذي يشرف على الأنشطة البحرية، مايك سالثهاوس، عبر البريد الإلكتروني إن حكومة البلاد “تشعر بقلق عميق” في شأن “التأمينات المشبوهة” للسفن المارة عبر المضائق.
وأضاف أن السلطات الدنماركية في حوار مستمر وتعمل على معالجة هذه المشكلة مع دول أخرى.
ويمكن لشركات التأمين في دول مجموعة السبع فقط تغطية النفط الروسي إذا كانت لديها ضمانات مكتوبة بأن الشحنات جرى شراؤها بأسعار أدنى من الأسعار المحددة من قبل مجموعة الدول السبع وحلفائها، البالغة 60 دولاراً للبرميل.
الدخول الجديد
وبينما كانت شركة “إينغوستراخ” معروفة بالفعل في عالم الناقلات الدولية قبل الحرب، يقول مسؤولو الصناعة إن دورها قد توسع ليشمل الناقلات التي تنقل النفط من الموانئ الغربية لروسيا، أما الشركتان “ألفا ستراخوفانيا” و”سوغاز” فكانتا شبه مجهولتين في سوق الناقلات العالمية قبل النزاع.
ومع أن هذه الشركات تحصل في النهاية على إعادة التأمين من شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية الخاضعة لبنك روسيا المركزي، فإن ذلك قد يضع موسكو نفسها في موقف مسؤول عن دفع التعويضات، وهذا يثير التساؤلات حول ما قد يحدث إذا حدث شيء خطر على ساحل بلد تعده موسكو “غير صديق”، ولم ترد شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية وبنك روسيا على الطلبات المرسلة عبر البريد الإلكتروني للتعليق.
قالت “إينغوستراخ” في رد عبر البريد الإلكتروني على الأسئلة إنها شركة ذات رأس مال قوي وقادرة جداً على تلبية المطالبات، وقد تتمكن من ذلك حتى إذا فشلت شركة إعادة التأمين في الوفاء بالتزاماتها.
وأضافت أنها لم تسع إلى تمديد نطاق عملها في تأمين السفن البحرية منذ الحرب، وأنها أزالت أو رفضت تغطية أكثر من 100 سفينة بين عامي 2023 و2024 لأنها لم تستوف معاييرها.
وقالت الشركة التي تتخذ من موسكو مقراً لها إن شركة تمثل جزءاً فقط من محفظة إعادة التأمين الأوسع، لكنها امتنعت عن تقديم تفاصيل، مشيرة إلى الحساسية التجارية.
وبصورة أعم، قالت الشركة إن العقوبات مثل تلك المفروضة عليها من قبل بريطانيا تزيد من الأخطار البيئية، لأن هذه التدابير تجبر مزيداً من السفن على استخدام تأمين غير كاف.
أسئلة حول الدفع
أخبر المسؤولون الروس المنظمة البحرية الدولية أن العقوبات الغربية هي المسؤولة عن إنشاء أسطول الظل، ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كان دفع تعويضات كبيرة من إعادة التأمين – تجاه ما يعده الكرملين دولة “غير صديقة” – قد يصبح قضية سياسية، إذ إن شركة إعادة التأمين المدعومة من الدولة “شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية” تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي.
يقول الزميل في مركز “ديفيس” بجامعة هارفرد، كريغ كينيدي، الذي يتابع صناعة الطاقة الروسية منذ عقود إن روسيا تلوم العقوبات الغربية على عدم قدرتها على تسليم إمدادات الغاز عبر الأنابيب، وإصرارها على أن الأوروبيين يجب أن يدفعوا ثمن الغاز بالروبل، كمثال على كيفية استجابة موسكو، مضيفاً “إذا لم يرغب الروس في الدفع فمن المحتمل أن لا يفعلوا ذلك”.
الشراء الهندي
للمساعدة في تجاوز حد السعر الذي فرضه الغرب، لجأت موسكو إلى أسطول كبير من السفن ومقدمي الخدمات الذين يعملون من دون مشاركة الشركات الغربية، ومن ثم غير مقيدين بالحد.
وأفادت كل من “بلومبيرغ” و”دانواتش” بتقارير موسعة حول الناقلات القديمة التي تنقل النفط الروسي عبر الدنمارك وكيف أنها ترفض بصورة متزايدة استخدام طيارين متخصصين لتوجيهها عبر المضايق.
وبينما أطلق متخصصو الملاحة أيضاً إنذارات حول تدهور حال عديد من الناقلات التي لا يزالون يوجهونها، فإنه لا يجرى ربط أي مؤمن واحد بتلك الناقلات غير المطابقة للمعايير، ولا توجد إشارة إلى أن أياً من الشركات الروسية تتسامح مع الشحن غير المطابق للمعايير.
وأحالت المنظمة البحرية الدولية، وهي وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة، الأسئلة حول تأثير العقوبات على التأمين الروسي إلى الإرشادات التي أصدرتها بعد شهرين من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتنص تلك الإرشادات على أن الدول التي قد تزورها السفن، المعروفة باسم “دول الموانئ”، ينبغي أن تتحقق من الدول التي تسجل فيها السفن – المعروفة باسم “دول العلم” – إذا كان تأمينها سارياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد شهرين من إرشادات المنظمة البحرية الدولية، جرى فرض عقوبات على شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ومن ثم صنفت من قبل الاتحاد الأوروبي في فبراير (شباط) 2023، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، استهدفتها السلطات البريطانية أيضاً.
وبمجرد مغادرتها المضايق الدنماركية، غالباً ما تبحر الناقلات عبر بحر الشمال، مروراً بقناة إنجلترا بين بريطانيا وفرنسا، ثم تتابع بعد ذلك عبر البرتغال، ومن ثم عبر مضيق جبل طارق والمياه القريبة من إسبانيا، مما يبرز نطاق الدول التي يمكن أن تتأثر.
المضائق التركية
وتعد “إينغوستراخ” و”سوغاز” أيضاً أكبر مزودين للتأمين للناقلات التي تبحر عبر مضيق البوسفور والدردنيل في تركيا، وتحمل النفط المحمل من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، وفقاً لشخص لديه معرفة مباشرة بالأمر.
وفي حال تركيا، تتمتع السلطات بمزيد من الإشراف على تدفق الشحنات عبر مياهها، إذ إن السفن عادة ما تعبر فقط خلال النهار ويكون استخدام القباطنة المحليين من ذوي الخبرة إلزامياً، مما يقلل من الأخطار، كما يجب عليهم تقديم دليل على وجود تأمين سارٍ.
وقال مسؤول تركي، شريطة عدم الكشف عن هويته، إنهم يثقون في الحصول على تعويض في حالة حدوث حادثة، لأن البلاد لم تتخذ موقفاً ضد موسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ولأن المدفوعات يمكن أن تسدد بالليرة التركية.
وسيتعين على شركات التأمين الروسية تقييم الأضرار المحتملة لسمعتها في حال عدم الدفع، خصوصاً في دولة صديقة مثل تركيا، وفقاً للشريك الإداري في مكتب “نيريوس” القانوني في إسطنبول، بوجرا بيردار، الذي يقدم استشارات للعملاء في مجال التأمين البحري، واليوم أصبح الانفصال عن ترتيبات التأمين التقليدية جزءاً من تحول في نظام بحري أكبر بكثير، للحد من تكرار الحوادث الكبرى مثل تلك التي وقعت مع ناقلتي “إريكا” و”بريستيج” في بداية الألفية.
دفعت الحرب – والبيئة العقابية الأوسع ضد دول مثل إيران وفنزويلا – المئات من الناقلات إلى بيئة تشغيلية موازية لم تختبر حتى الآن من خلال حادثة تسرب كبيرة.
وقال رئيس منتدى السياسات في الاتحاد الدولي للتأمين البحري، نيل روبرتس، “إنها شبكة متشابكة للأسف، وهي تعتمد على أن الجميع يتبعون القواعد نفسها، والآن لدينا أشخاص لا يتبعون القواعد نفسها، والنظام لم يتكيف للتعامل مع هذا”.
إضافة تعليق